هل أصبحتِ ربة بيت ؟

ربة بيت

قفز في عقلي موقفٌ  مرت عليه سنوات طوال ،لكنه مازال يراودني في أحيانٍ كثيرة..

قالت لي إحدى معلمات المواد العلمية التي درستني في المرحلة الثانوية عندما رأتني في إحدى المحاضرات العامة : آه.. أسما.. ماذا تفعلين الآن؟ يبدو أنك أصبحتِ ربة بيت! بدت ملامح وجهها كئيبة جداً..

ابتسمت بمضض وقلت لها : نعم!

نعم معلمتي.. أنا أمٌ جديدة أخوض مغامرات الأمومة لأول مرة ، كما أنني أدرس الماجستير بعد تخرجي بامتياز ولله الحمد ، لكي لا يتوقف طموحي بعد التخرج !

أدرت وجهي عنها وفي ذهني تتقافز الأفكار المزعجة.. ربما لم يثر إعجابها ما أنا عليه ، بل على العكس فقد أُحبطت وكانت ملامح وجهها تفسر كل شيء .. لم يُعجبها بأن طالبتها المتفوقة في المواد العلمية لم تدرس تخصصاً علمياً في الجامعة ، ولم تعمل في وظيفة حكومية مرموقة.. فالنجاح في منطقها لا يكون إلا بتلك الطريقة!

وتساءلت في داخلي : هل أنا على خطأ ؟

فحدثتني نفسي حديثاً طويلاً ورقيقاً وكنت لها منصتة وكأنها تحاول أن تزيل الغبش الذي أصاب رؤيتي فقالت :

  • هل يعني عدم عملي في وظيفة أني لا أقوم بأي عمل ذي قيمة؟ فأنا أقرأ وأدرس وأهتم بزوجي وطفلي وأطور نفسي وأشارك في الكثير من الفعاليات والأنشطة واستمتع في حياتي بما يرضي ربي وضميري ويشعرني بالراحة والرضا ..
  • هل من المفترض أن يضغط الواحد منا على نفسه ويقلق راحة أسرته وأبنائه ومن هو مسؤول عنهم ليرضي الآخرين ، ويُشبع رغبتهم في تحقيق الصورة الذهنية للنجاح المتجمدة في عقولهم منذ سنوات؟!
  • النجاح والإنجاز ليست صورة محدودة في إطار معين ، إن حققتها كما هي و بحذافيرها فأنا ناجح وإن لم أحققها فأنا فاشل ! فما يعتبر نجاحاً عند شخص قد لا يساوي عند آخرين شيء.. في حين أنه قد يعني له قمة الإنجاز والسعادة..
  • لا يبقى الإنسان في مكان واحد أو دور واحد في الحياة ، تتبدل أدواره بدوران الأيام وتغير المسؤوليات.. كان دوري في ذلك الوقت أن أكون طالبة جُل مسؤليتي تتمثل في مذاكرة دروسي فأديته على أكمل وجه ، ثم أصبح دوري أن أكون زوجة شريكة حياة واجتهدت لأن أُنجح ذلك المشروع العملاق فأسعد زوجي وأبني علاقة زوجية ناجحة تسودها المودة والرحمة ، ثم أكرمني الله لأصبح أماً ومربية.. مسؤولة عن طفل صغير-كائن جديد على هذه الأرض- فتعلمت وقرأت وجربت ، أصبت وأخطأت وسعيت لأكون أماً ناجحة وقدوة حسنة ، فابني على رأس أولوياتي وأهم مشروع في حياتي؛ وهبنيه الله ذرية طيبة بعد انتظار أعوام، فلن أتركه في يد أخرى تربيه لأجري خلف وظيفة تحقق لي الرضا في عين المجتمع أو المكانة المرموقة التي تتمتع بها الموظفة على حساب الكثير من الأمور الشخصية..
  • قد يحصر المرء نفسه في صورة يمليها عليه المجتمع لمراحل حياة الناجح  : دراسة ، وظيفة، زواج ، انجاب ، بيت ، سفر .. فإن أتت رياحه بما لا تشتهي سفنه .. غرق في بحر لا قعر له من أحكام من حوله ، ونظرتهم له ، تلطمه أمواج الإحباط والشعور بالإخفاق، وتتملكه رياح الحيرة فيظن أنه على خطأ والصواب أن يجاريهم ويحقق طموحهم لا طموحه هو!
  • هذه ليست دعوة للتقاعس عن العمل المجتمعي والإسهام في بنائه وإنما هي دعوة للالتفات للبيت الداخلي وترتيب الأولويات في الحياة وتحديد المسؤوليات كل حسب اختياراته.. فليس بالضرورة كل موظفة ناجحة وطموحة وكل ربة بيت فاشلة وكسولة كما يصور لنا بعض الأشخاص..

 

فأرجوك معلمتي العزيزة..

لا تجعليني أشعر بالحرج لمجرد وصفي (بربة بيت) أو أن أخجل لأخبرك بأني لست موظفة..

كثيرات من صديقاتي شاركنني ذات الشعور لمجرد أنهن رتبن أولوياتهن و جعلن البيت الداخلي على رأس القائمة..

فلا تجعلوا كلمات الآخرين وتعليقاتهم السلبية تؤثر في حياتكم، أو تهز قناعاتكم بما تقدمونه لأنفسكم ومن حولكم والعالم..وفي المقابل انتقوا كلماتكم التي تلقونها بغير اكتراث على الآخرين.. لا تطلقوا الأحكام على خيارات الآخرين.. أو تشوهوا الألقاب الجميلة و تحملوها ما لا تحتمل..

……………………….

مضيت ومضت معلمتي التي أحبها وأكن لها كل احترامي وتقديري ..

رحلت هي وبقيت كلماتها التي تذكرني دائماً بأن الحياة خيارات وكل منا يختار ما يناسبه و يسعده ويشعره بقمة الرضا والاستمتاع..

4 آراء حول “هل أصبحتِ ربة بيت ؟

  1. أم خالد 13 مارس، 2017 / 9:11 مساءً

    جربت الوظيفة فأدركت بأن الشرف كل الشرف في أن أكون ربة بيت واعية سعيدة

    Liked by 2 people

    • Asmadairy 13 مارس، 2017 / 9:45 مساءً

      ..الوعي يشعرنا بالرضى والسعادة حين تصبح خياراتنا في الحياة من اختيارنا

      شكرا لمرورك ..

      Liked by 1 person

  2. ablafatma 13 مارس، 2017 / 9:16 مساءً

    رائعة أنت يا أسماء.. كما كنت دائما ..
    جدا تشبهني هذه التدوينة .. وموضوع ذو شجون .. خلاصته: الحمدلله انني استمتع بكل لحظة ..
    غريبة هي عبارة: اصبحت فالبيت مع الاطفال !! لا عمل لك سوى النوم 😒!!
    ربة بيت هي اسمى وارقى واصعب وظيفة .. ومن لم يعمل حقها لن يعلم صعوبتها ورقيها 👍👌

    Liked by 1 person

    • Asmadairy 13 مارس، 2017 / 9:53 مساءً

      وهل هناك كروعتك يا فاطمة
      ..كنت في البال حين كتبتها
      لا عمل لك سوى النوم فعلا عبارة غريبة .. وهل تنام الأمهات ؟؟ لا أظن:(

      Liked by 1 person

أضف تعليق